الانفتاح على الآخر والاستفادة من تجاربه دون نسيان الأصل، من جهة، والإلحاح على ضرورة التمسك بالجذور ومنح الأولوية للتربية الإسلامية وعلوم الدين في المناهج التعليمية بالمغرب، ومن جهة ثانية، الجدل والنقاش العام القائم حول إصلاح المناهج التعليمية في المغرب.تصر وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، على لسان وزيرها الحبيب المالكي أن تعديل المناهج التعليمية بالمغرب أمر فرضه وضع التعلم بهذا البلد، وأن «الخوف من المحيط والتخوف من العالم الخارجي، سلوك يبرز أزمة في الثقة في النفس...والنموذج المغلق سياسيا وثقافيا وحضاريا، نموذج ستاليني أكدت التجارب أنه كان تخريبيا للقيم ويمس بجذور الشعوب التي لم تستطع مقاومة التحولات»، ومقابل ذلك، يعتبر نواب برلمانيون من المعارضة أن الإصلاح في المناهج يأتي انطلاقا من إملاءات أجنبية بالأساس.
في هذه المواجهة، نلتقي مع النائبتين البرلمانيتين رشيدة بن مسعود عن حزب الاتحاد الاشتراكي المشارك في الائتلاف الحكومي، وبسيمة الحقاوي من حزب العدالة والتنمية المعارض، ومع الرأيين المختلفين.....
رشيدة بن مسعود:هناك فرق بين الإملاءات والعلاقات مع الآخر
* يطرح الإصلاح المستمر للمناهج التعليمية بالمغرب إشكالا أساسيا مرتبطا، من جهة بالتغيير المستمر الذي يمس المقررات التعليمية، ثم وأساسا، بالتوجهات العامة لهذا التعديل والتي لا تروق لعدد من الأحزاب المعارضة.كيف تنظرون لهذا الإشكال؟
ـ بداية أؤكد أن عملية إصلاح المناهج التعليمية في المغرب لم تأت من فراغ، ذلك أنها تنطلق من مرجعيات أساسية يمكن تحديدها خصوصا في الميثاق الوطني للتربية والتكوين والكتاب الأبيض.ثم إن أي مشروع إصلاحي من الطبيعي أن تعترضه بعض الصعوبات.وهنا يجب التمييز بين شيئين أساسيين، الأول متعلق بالإرادة السياسية الجماعية في الإصلاح، غير أننا نواجه هنا بمشكل الإمكانيات المادية المحدودة المتوفرة لتغطيته، لكن رغم ذلك يمكن القول إنه وانطلاقا من مختلف المنتديات الجهوية التي نظمتها وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر أن هناك الكثير من المنجزات التي تحققت رغم الإمكانيات المحدودة المرصودة لهذه الأمور.فقد تحققت أشياء على مستوى القوانين التي شهدت تعديلات ومنها استقلالية الجامعة التي شكلت مطلبا أساسيا منذ القديم، وإنجاز ثانوية الامتياز، ومد المؤسسات التعليمية بإمكانيات تقنية هامة، وغير ذلك من الإصلاحات والمكتسبات التي تحققت لمجال التعليم بشكل عام.
*تحدثت عن الصعوبات ذات الطابع المادي، غير أن هناك مشاكل مطروحة اليوم ذات علاقة بالمناهج التعليمية، وأساسا بالانتقادات الموجهة للوزارة من كونها تشتغل انطلاقا من إملاءات خارجية وضغوط تفرضها أجندة الممولين، على حساب قيمنا وهويتها وربما أيضا خصوصياتها؟
ـ أظن أنه من الضروري أن نميز بين مستويين أساسيين، بين الإملاءات وبين العلاقة التي تربطنا بالآخر. فيمكن أن لا يتعلق الأمر بإملاءات، وإنما بعلاقة تربطنا بالآخر، لأننا اليوم نعيش في قرية صغيرة، وهناك تواصل كبير بين الدول، واتفاقيات ومشاريع وبرامج مشتركة، وأعتقد أنه لا يمكننا أن نرفض الانفتاح على الآخر وأن تكون لنا علاقة مع جهات أجنبية في مختلف المجالات بما فيها مجال التعليم الذي نعي بالفعل خصوصيته وحساسيته المفرطة، فالعلاقة يمكنها أن تكون على أساس أن تكون في الحدود الممكنة والمعقولة وانطلاقا من رؤية واضحة، فهذا أمر ليس بالممنوع ولا بالحرام.
* ما هو المفهوم الذي تعطونه للانفتاح في مجال التعليم؟
ـ الانفتاح هو مشروع منبن على القيم التي نحافظ عليها وتنعكس بوضوح في مناهجنا التربوية والتعليمية، والمتكونة أساسا من الهوية المغربية وقيمها التي يجب أن تشكل لازمة في مختلف المقررات، وهذا أمر لا يتعارض مع الانفتاح على تجارب الآخر والاستفادة مما حققه.
ومشروع الإصلاح الحالي، ينطلق من الانفتاح باعتبار أن هناك علوماً حديثة يجب أن يستأنس بها التلميذ ويدركها بشكل جيد، ومنها، مثلا، الإعلاميات التي يجب أن يستوعبها التلميذ في سنوات مبكرة من تعليمه، خاصة أنها تشهد اليوم تطورا مهولا قد يمكنها في وقت لاحق من مزاحمة الطرق التقليدية في التعليم والاستئثار بحصة كبرى من الوقت الذي كنا نخصصه للكتاب.
* لكن هناك من يعتبر أن المستهدف الرئيس في عملية إصلاح مناهج التكوين هو مادة التربية الإسلامية؟
ـ إن من الضروري أن نميز داخل التربية الإسلامية بين مستويين، يتعلق الأول بالدين وهو شيء مقدس وثابت من ثوابتنا التي يقررها الدستور، وبين المستوى الثاني المتعلق بالطريقة التي ندرس بها الدين، ولا نجد من مانع لأن ندرج طريقة التعليم في منظومة الإصلاح، وأن لا تشكل استثناء لأنها هي مادة من المواد الأخرى، وإذا كان الاجتهاد هو بقاء للإسلام، فالاجتهاد في إطار تدريس مادة التربية الإسلامية في مؤسساتنا التعليمية هو بقاء واستمرار لهذه المادة في المناهج التربوية وضمان للطريقة الناجعة من أجل تشجيع التلاميذ على الإقبال بشكل أكبر على هذه المادة واستيعابها.
* لكن هناك من يعتبر أن إصلاح المناهج يرمي، من ضمن ما يرمي إليه، إلى التقليص من عدد ساعات حصص التربية الإسلامية؟
ـ بالنسبة للمواد أعتقد أن الجداول التي تم وضعها في أدبيات التربية الوطنية والتي هي أساسية هي رد كفيل على هذه المسألة ولا يمكنني أن أتحدث انطلاقا مما يعتبره الآخرون حقيقة وهو ليس كذلك، فهذا أمر غير حاصل >