تشغل المسألة البيئية بال الكثير من المهتمين في حماية البيئة وتعتبر بالنسبة لهم قضية محورية في عملهم وحياتهم. غير أنه ومنذ منذ مدة طويلة وسؤال مهم يطفو إلى السطح، ويتعلق تحديداً في كيفية استثارة المواطن العادي في وطننا العربي عموماً وفلسطين، حيث أعيش، بشكل خاص، للانخراط في أنشطة وتبني سلوكيات لا تلحق الأذى وتحافظ على البيئة التي يحيا فيها. كيف نتحول بالعمل البيئي إلى همٍ يومي وسلوك يلازم المواطن؟
لقد وجدت م خلال الملاحظة أن الإنسان العادي، بشكل عام، في منطقتنا غير معني بالحفاظ على البيئة، بل أنه لا يميز أحياناً فيما إذا كان تصرفه يلحق الضرر بالبيئة أم لا(وقد أكون مخطئاً في هذا الاستنتاج). فهو لا يحس بالضرر الذي يمس البيئة من خلال سلوكٍ خاطئ يقوم به، وإن كان يدرك أحياناً أن تصرفه ليس تصرفاً سوياً إلا أنه لا يقيم وزناً لقضية الحفاظ على البيئة. ومن خلال هذه الملاحظة/الاستنتاج خرج السؤال حول: كيف يمكن أن نستثير المواطن العادي في منطقتنا ليصبح عنصراً فعالاً في صيانة البيئة ومنع تدهورها؟
أعتقد أن الحفاظ على البيئة لا ينفصل إطلاقاً عن الحفاظ على صحة الإنسان، فالوصول إلى صحة سليمة غير ممكن على الإطلاق بدون بيئة سليمة. إذاً جوهر الصحة السليمة يكمن في الحفاظ على بيئة سليمة ـ بيئة المنزل أو الشارع أو المدينة أو الحقل الزراعي. ولتحقيق ذلك هناك عملٌ يحمل طابعين: 1) الطابع القانوني ـ التشريعي، والذي يقع على عاتق الحكومات العربية والذي يُعنى بسن القوانين والتشريعات الخاصة بحماية البيئة (مع إيجاد آليات تطبيق وتنفيذ للقوانين)، 2) والطابع الجماهيري الذي تشترك فيه المؤسسات الأهلية ووسائل الإعلام ويركز على التوعية بدور البيئة في التأثير على الصحة، فإن كانت بيئة سليمة فصحة سليمة، وإن كانت بيئة مدمرة فصحة معتلة. إذا أدركت الحكومات دور البيئة السليمة في تقليل الفاتورة الصحية، ورغبت في ذلك، فيجب أن تجهد في العمل على إيجاد القوانين لحماية البيئة وآليات التطبيق لتلك القوانين. إن دور الحكومات أساسي في الحفاظ على البيئة، إذ أنها قادرة من خلال سن قانون واحد وتطبيقه على لعب دور مهم يسهم في الحفاظ على البيئة. أما المنظمات الأهلية فيقع على عاتقها نشر الوعي البيئي في أوساط المجتمع. كما أن من المسؤوليات المهمة للمؤسسات الأهلية دفع الحكومات نحو تبني القوانين اللازمة إن كانت تلك الحكومات سلبية في تعاملها مع القضايا البيئية.
إن أفضل فئة يمكن أن يتم العمل من خلالها هي الفئة العمرية الصغيرة والمرأة (خاصة الأمهات).
يتطلب العمل مع الفئات العمرية الصغيرة تحويل أنشطة حماية البيئة إلى عملٍ ممتعٍ يدفعهم للانخراط فيه والاستمتاع بالانتماء لكل ما يصب في حماية البيئة. أما المرأة ـ الأم فيجب إثارتها وإقناعها بأن السلوك البيئي ما هو إلا حماية لأبنائها من المرض وصونٌ لمستقبلهم. ولا بأس بإثارة "الرعب" لدى الناس من أجل دفعهم للمشاركة بدورهم في حماية البيئة، هذا "الرعب" ممكن إحداثه على سبيل المثال لتوجيه الناس نحو المنتجات الزراعية العضوية والابتعاد عن تلك المنتجات التي دخلت الكيماويات في إنتاجها، بإظهار مخاطر هذه المنتجات و"تخويفهم" منها. وبهذا وعندما يتوجه الناس للبحث عن منتجات أنتجت بدون كيماويات إنما يشجعون المزارعين على الزراعة بأساليب بيئية، فيقل استخدام الكيماويات. وتشجيع الأم على إنتاج الخضار والفواكه لأبنائها من حديقتها المنزلية بطرق بيئية فيه إسهام في الحفاظ على البيئة، وإيجاد تفاعل بناء بين الأطفال والطبيعة عندما تقوم الأم بإشراكهم في العمل الزراعي في حديقتها بطريقة علمية مدروسة. وفي كثير من الأحيان قد يمثل ربط الجانب الاقتصادي الأسري بالحفاظ على البيئة عنصر نجاح في برامج التوعية البيئية داخل الأسرة من خلال المرأة خاصة في المناطق الشعبية والريفية.
هذه مجرد أمثلة بسيطة لما يمكن عمله لاستثارة الناس وإحداث عملية الحراك في أوساط الفئات الشعبية للتفكير بالهموم البيئية الكثيرة التي تعاني منها منطقتنا العربية. ولا ندعي أن مشاكل خلقتها السلوكيات الخاطئة خلال عشرات السنين يمكن أن تُحل في سنة واحدة، ولكن نقطة البداية مهمة في إنجاح المسيرة أو إفشالها. وقد يشكل التركيز على ربط قضية البيئة بالصحة مدخلاً مناسباً لدفع المواطن العادي لحمل الهم البيئي.