الأسباب التربوية والاجتماعية :
العنف المدرسي بات منتشرا بشكل واسع النطاق وتحول إلى ظاهرة ملفتة، عن أسبابه أن هناك عنفا مزدوجا: عنف يمارسه التلاميذ، وعنف مضاد يمارسه رجل التعليم، وهي ظاهرة سيكولوجية مرتبطة أساسا بالتربية لدى جميع الأطراف، فطبيعة التربية التي تلقاها المدرس، والتي تلقى بها تكوينه تعتمد أساسا على العنف، مما ولد لدى هذه الفئة شعورا بأن عملية التحصيل وضبط الفصل لا يمكن أن يتم دون ممارسة العنف’’ .
هناك عدة عوامل تساهم في انتشار العنف المدرسي، منها ضعف التربية الأسرية والتوجيه في المدرسة، وقلة الوعي بالأخطار الناجمة عن هذه السلوكيات’’.
وتشير أليس ميلر في كتابها < < مأساة أن تكون طفلا >> إلى أن العنف الذي يتعرض له الأطفال، هو المسئول عن ميلهم للعدوان والسيطرة عندما يكبرون، وتعطي مثالا على ذلك: أدولف هتلر ورفاقه من قادة النازية، الذين تعرضوا في طفولتهم لقسوة شديدة من طرف آبائهم ومعلميهم، مما جعلهم يميلون إلى العنف والعدوان في كبرهم.
الطفل الذي يتعرض في طفولته للحرمان العاطفي، سواء من الأب أو الأم أو من كلاهما، تكون له آثار سلبية على تنشئته الاجتماعية وعلى نموه النفسي والانفعالي وعلى قدراته الذهنية، فشخصيته تكون متوترة تعاني من عدم القدرة على التكيف السوي مع الآخرين، وتطغى عليه الاضطراباات العاطفية. كما أن القهر الاجتماعي الناتج عن الاستهزاء والتهكم والازدراء، يولد بدوره لدى الطفل شعورا بالإحباط والدونية ويربكه في علاقاته مع زملائه. فقد أظهرت دراسة أجريت في اليابان أن القهر الناتج عن الاستهزاء أدى إلى انتحار تسعة طلاب دون الرابعة عشر من العمر في العام 1985، كان أحدهم فتى وديعا.
ويجمع الأخصائيون في علم الاجتماع والتربية وعلم النفس، على دور الأسرة في تنمية النزعة العدوانية لدى الطفل، عندما ينموا في بيئة أسرية ينقصها الحب والحنان والرعاية السليمة للأبناء، فالوالدان اللذان يتخاصمان ويهملان تربية الأطفال أو لا يسمحان بالحوار وإبداء الآراء وتفهم المشاكل، يكونان سببا في زرع مشاعـر الحقد والكراهية في الطـفل ودفعه إلى التمرد ومحاولـة إبراز الذات بسلوكيات عنيفة، وهذا ما تؤكده التلميذة كريمة ‘‘ هذا العنف انعكاس لمشاكـل أسريـة..انعكاس لتفكك الأسرة ’’. ومن النتائج السلبية للتفكك الأسري، محاولة الطفل البحث عن الحنان وتقدير الآخرين خارج الأسرة، وكثيرا ما يقع ضحية رفاق السـوء الذين يساهمـون في انحرافـه.
ومعلوم أن المدرسة يسود فيها أسلوب سلطوي وفي ظل غياب الحوار والإقناع. المدرسة المغربية حاليا تعتبر مؤسسة لإنتاج العنف، هو تصور خاطئ يؤدي بنا إلى إنتاج ما يسمى بالا أمن L’insécurité ’’. وتقول تلميذة ‘‘طريقة تعامل الإداريين وبعض المدرسين طريقة غير تربوية، كثيرا ما يخاطبوننا بعبارات سوقية، يسبون التلاميذ.. كما تصدر منهم أفعال مشينة ’’.
هذا الرأي ينطبق على كثير من المدارس العربية والإفريقية التي تفشت فيها ظاهرة العنف، فقد قالت منظمات للدفاع عن حقوق الإنسان أن التلاميذ في كينيا، يعانون من أساليب العنف التي يتبعها المدرسون والمدرسات سواء في المدارس العادية أو الداخلية، يكفي مجرد ارتكاب التلميذ مخالفة بسيطة لتوقيع أشد العقوبات عليه. وقد هربت حوالي 400 تلميذة من مدرسة داخلية مؤخرا نتيجة لهذه المعاملة، التي أصبحت ظاهرة في كينيا وفي بلدان أفريقية أخرى كانت مستعمرات بريطانية.
بالاضافة الى أن التلميذ يشعر بالإحباط نتيجة الأوضاع الاجتماعية المتردية، حيث أصبح التعليم لا يؤدي حتما إلى الشغل، وهذا عامل أساسي في تنامي ظاهرة العنف ’’.
وقال معلم سويسري يدير مدرسة خاصة في نيروبي‘‘هناك 440 ألف تلميذ وتلميذة سيتخرجـون هذه السنـة، وهناك 20 ألفا منهم فقط على الأكثر ستتاح لهم الفرصـة لشغل وظائف مستقـرة. ”وأضـاف قائـلا :” إن التلاميـذ يعاملون بقسـوة ويعيشون في ظروف سيئة، ويحصلون على مستوى متدن من التعليم، وفوق كل ذلك فنظرتهم إلى المستقبل سوداء’’، وقال أيضا ‘‘ إن المدارس أصبحت تولد طاقة هائلة من العنف ’’.
و يعتبر المراهقات سببا رئيسيا لكثير من حوادث العنف ويقول‘‘غالبا ما تكون المراهقات سببا للعنـف المدرسي الذي استفحل في مختلـف المؤسسات، المراهقون يحاولون بسلوكياتهم العنيفة إبراز قيمتهم الاجتماعية وقدرتهم على استمالة الفتيات’’. وهذا الرأي تؤكده التلميذة فاطمة الزهراء ‘‘ كثيرا ما يكون العنف المدرسي سببه معاكسة المراهقين للتلميذات، فرفض الفتـيات لهذا السلوك يعرضهن للانتقـام’’. العنف لدى المراهقين يأخذ منحى أكثر شدة وحدة لأن المراهق نتيجة التغيرات الفزيولوجية و النفسية التي تطرأ عليه، يكون شديد الحساسية تجاه السلوكيات التي تصدر من الآخرين سواء كانوا والداه أو رفاقه أو مدرسيه. فعندما تتعرض رغباته وميولاته للقمع، ويواجهه الآخرون بالازدراء و السخرية أو اللامبالاة، ينفعل ويحاول بشتى الطرق إثبات ذاته وإرغام الآخرين على تقديره ولو باستعمال العنف.
ويشكو كثير من المدرسين من عدم وجود تعاون بين المؤسسات التربوية و الأسرة، حيث لا تتم زيارات منتظمة لآباء وأولياء التلاميذ إلى المؤسسات التعليمية للإطلاع على مدى مواظبة أبنائهم وللاستفسـار عن سلوكهم، ويــزور بعضهـم المؤسسة فقط عندما يفاجئوا بحدوث مشكل ما لأبنائهم.
كما قضت محكمة أمريكية في يوليو2001 بسجن صبي من فلوريدا في الرابعة عشرة من العمر 28 عاما، لقتله مدرسا في مدرسته وتصويبه مسدسا محشوا بالرصاص تجاه مدرس آخر.
وكان ناتانييل برازيل يبلغ من العمر 13 عاما، حين أطلق الرصاص على المدرس باري جرونو فأصابه بين عينيه بمدرسة ليك وورث. وقضت المحكمة أيضا بسجن برازيل خمسة أعوام لإدانته بتهمة مهاجمة المدرس الآخر الذي صوب المسدس تجاهه.
وأمر القاضي ريتشارد وينت ايضا برازيل بقضاء عامين رهن الاعتقال المنزلي، ثم البقاء تحت المراقبة لمدة خمس سنوات بعد قضاء فترة السجن، وأن يحضر دورة دراسية حول كيفية السيطرة على الغضب.
وكان برازيل أعيد من المدرسة مبكرا في آخر أيام العام الدراسي يوم 26 مايو 2000، لإلقائه بالونات مياه على أقرانه. وعاد برازيل إلى المدرسة حاملا مسدسا سرقه من جده، وأطلق النار على المدرس جرونو حين رفـض السماح له بالتحدث مع أصدقاءه في الفصل. وأثارت القضية اهتماما واسعا كأحد حوادث العنف المدرسي، وبسبب الجدل حول كيفية محاكمة ومعاقبة الأحداث المتهمين بجرائم خطيرة.
الأسباب النفسية :
تؤكد الدكتورة أميرة سيف الدين < < أستاذة الصحة النفسية بكلية الطب جامعة الإسكندرية >> أن السلوك العدواني الذي يتخذه الطفل تجاه المواقف المختلفة، يعتبر من علامات إصابتـه بمرض نفسي، وتقول ‘‘النشاط الزائد وتشتت الانتباه والاندفاع، ثلاثة أمور إذا لازمت الطفل بعد سن السنوات الثلاث الأولى، ولفترة لا تقل عن ستة أشهر، فإنها تكون مؤشراً على أن هناك فعلا مشكلة نفسية لدى الطفل. في حين إننا لا نستطيع تشخيص حالة طفل بأنه مريض بالنشاط الزائد إلا حين دخوله المجتمع المدرسي, لأن المدرسة تتطلب الهدوء والالتزام وعدم الحركة، وهي عكس الصفات الموجودة بالفعل عند الطفل المريض بهذا المرض. فإذا ثبت ذلك يجب التعامل مع هذا الطفل بالطريقة السليمة، ولاسيما في المرحلة الأولى عندما يتحول الطفل إلى البلوغ, و إلا سيتحول هذا الطفل إلى الجنوح وهو من أخطر الأمراض النفسية السلوكية التي تؤدي إلى طريق الانفلات والإجرام’’.
دور وسائل الإعلام :
‘‘ يرتبط العنف المدرسي بوسائل الإعلام في الدرجة الأولى، خاصة القنوات الفضائية الأمريكية التي تبث أفلام العنف المرتبط بالجنس، والتي يشاهدها التلميذ ويعتقد أن استعماله للعنف يساعد على استمالة فتاة ’’. ويقر أغلب الأخصائيين في علم الاجتماع والتربية وعلم النفس، بوجود علاقة غير مباشرة بين العنف الذي تبثه وسائل الإعلام وبين الانحراف الذي يرتكبه الأطفال والشباب في الواقع، خاصة إذا كان هؤلاء يعيشون أوضاعا اجتماعية، اقتصادية، وثقافية سيئة، تجعلهم أكثر ميلا للتأثر السلبي بما تبثه وسائل الإعلام.
ويشيـر سحاب فكتور في < < أزمة الإعلام الرسمي العربي >> إلى أن التأثير العنيف الذي تنقله وسائل الإعلام إلى الأطفال والشبـاب، لا يتجلى فقط في مشاهد العنف التي تبثها وسائل الإعلام باستمرار، وإنما أيضـا في تلك المشاهد التي تشحن نفس الأطفال والمراهقين بأحلام رفاه غير واقعي، لا تلبث أن تصطدم بالحقيقة فتثير فيهم شعورا بالخيبة والإحباط. وقد تدفع بالكثيرين منهم إلى استخدام العنف والانحراف لبلوغ هذا الثراء الوهمي الذي يتعذر عليهم بلوغه بالوسائل المشروعة .
الوقاية خير من العلاج :
إن ظاهـرة العنف المدرسي أمست تؤرق أسر الأطفال، التي تخاف من عواقب تطوره إلى انحراف وإجرام عند الكبر. وعن الإجراءات التي يمكن اتخاذها للوقاية من العنف، تقول تلميذة ‘‘ يجب أن تكون معاملة المدرسين والإداريين للتلاميذ، قائمة على طرق تربوية، وأن يتم ملأ فراغ التلاميذ بأنشطـة ثقافية وترفيهية ’’.
أما ذ.حـسن فيقول ‘‘يجب إدماج مادة حقوق الإنسان في التكوين، والتكثيف من الحملات التحسيسية لدى الآباء، لأنه لا بد من تغيير العقليات ’’. المسؤول في المقاطعة الحضرية السابعة بطنجة يقول ‘‘ نقوم بمجهودات كبيرة لمواجهة هذه الظاهرة بالتنسيق مع مصالح الشرطة، وذلك بالتعرف على المراهقين الذين يقفون وراء هذا العنف، وقـد قدم بعضهم للعدالة، وتتضح نتائج هذه المجهودات في الهدوء الذي يعم إعدادية طارق – مثلا- بعد أن كانت تعاني كثيرا من هذه الظاهرة ’’.
ويوصي خبراء التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع، بضرورة العمل على تحصين الأطفال بالتربية السليمة، حتى لا يقعوا ضحية العنف والانحراف ومن هذه النصائح العمليـة :