المبحث الثاني: الأهمية التربوية لخلايا
الإنصات
تتباين ردود فعل التلاميذ إزاء ما يقدم لهم داخل الفصول الدراسية
من أنشطة تربوية في إطار البرامج والمقررات الدراسية السنوية تباينا ملحوظا. فهناك
من التلاميذ من يتوافق بسرعة مع التعلمات والتحصيل، فيظهر نتائج جيدة تعكس مستوى ما
يتوفر عليه من مؤهلات وقدرات معرفية ووجدانية ومهارية. وهناك من تتعذر عليه مواكبة
الأنشطة التربوية المقررة، فيصعب عليه تحقيق نتائج مدرسية مرضية، تجعله يتعرض
للتعثر والفشل الدراسيين. وكثير من هؤلاء المتعثرين تكون وضعيتهم قابلة للتدارك
والتصحيح، لتوفرهم على عدد من الإمكانات تساعدهم على ذلك، أهمها وعيهم بوضعيتهم،
ورغبتهم في تجاوز هذه الوضعية، بالإضافة إلى توفرهم على رصيد معرفي واستعداد نفسي
يمكنهم من تحقيق التدارك المطلوب.
غير أن هذا التدارك يحتاج بدوره إلى من يساعد على تحقيقه، حتى
يكون الإنصات إلى التلاميذ المتعثرين المهددين بالانقطاع عن الدراسة والتحاور معهم،
واحدا من الإجراءات الهامة الكفيلة بتخفيف وطأة بعض المشاكل والصعوبات النفسية
والاجتماعية عن هؤلاء التلاميذ. فما الذي يمكن أن يقدمه الإنصات لهؤلاء التلاميذ؟
وكيف يغدو الإنصات عاملا مساعدا على تخطي هذه الصعوبات والمشاكل، و يسهل بالتالي
إجراءات التصدي لظاهرة الانقطاع عن الدراسة؟
إن الإنصات للتلاميذ المتعثرين يعني، في أبسط معانيه، الإقرار
بشيئين اثنين:
· الاعتراف بالتلميذ المتعثر والإحساس بما يعانيه من ضغوط نفسية
وتربوية واجتماعية تعرقل مشواره الدراسي.
· الأمل في إمكانية مساعدة التلميذ المتعثر على تخطي وضعه الصعب،
وتمكينه من مواصلة دراسته بأقل ما يمكن من الإكراهات المعيقة للتعلم السليم.
إن الإنصات بهذا المعنى يصبح سندا سيكولوجيا وبيداغوجيا يستمد منه
كثير من التلاميذ المتعثرين دراسيا مقومات نجاحهم. فبالإضافة إلى كونه يزرع بذور
الثقة في المنصت إليه، ويشجع على التعبير عن الذات في علاقتها بالمحيط المدرسي، وعن
مختلف الأعراض الكاشفة عن العلاقات المختلة ، فإن جلسات الحوار التي يستلزمها
الإنصات الهادف تكون فرصة لعمل مشترك بين المنصت والمنصت إليه، لمعرفة المشكل
الكامن وراء صعوبات التعلم، وتفكيك عناصره المختلفة، من أجل البحث عن الحلول
الملائمة، وقيادة المتعلمين المعنيين نحو تخطي الصعوبات، وضمان انطلاقة جديدة نحو
تعلم جيد ومستمر مبني على النظرة الإيجابية للذات، والثقة المتبادلة بين الذات
والآخر
[6].
وقد بينت التجربة أن خلايا الإنصات أو مراكز الاستماع تساهم في
حماية المتعلمين من المخاطر الصحية و الانزلاق السلوكي ومن مقاومة الإخفاق المدرسي
إضافة إلى تحسين المناخ العام بالمؤسسة وهذا ما حدى بالوزارة الوصية إلى إصدار
مجموعة من القرارت الهادفة إلى حث المؤسسات التعليمية على إنشاء خلايا الإنصات
باعتبارها آلية ناجعة للتوقي من وضعيات التوتر وصعوبات التواصل.
المبحث الثالث: آليات عمل خلايا
الإنصات:
· تنظيم حلقات للنقاش حول محاور معينة تتخذ شكل :
- عروض ومحاضرات تقدم من طرف خبراء متطوعين كأفراد أو ينتسبون إلى
قطاعات حكومية أو غير حكومية؛
- عرض أشرطة من طرف مختصين وفتح نقاش حر وبناء ومقنع حول الظواهر
التي تهدد حياة التلاميذ.
· الإنصات والتحاور الجماعي بين التلاميذ؛
· الإنصات المنفرد؛
· استطلاعات الرأي؛
· الإنصات غير المباشر من خلال إنتاجات أدبية ( قصة – نصوص مسرحية
– خواطر- شعر- أغاني ؛ على أساس منح التلاميذ حرية في التعبير).
· الجلسات السيكولوجية الجماعية أو المنفردة.
[7]المبحث الرابع: مبادئ الإنصات
وقواعده
أولا : مفهوم الإنصات
" أسمع نظرات، تظنونها خرساء "
« J’entendrai des regards que vous croirez muets » , RACINE
• " في التشكي ترويح عن النفس، وتكفي كلمة واحدة، أحيانا،
لتحريرنا من حسرة الماضي "
« En se plaignant, on se console Et quelquefois, une parole
Nous a délirés d’un remords », MUSSET (Nuit de Mai)
الإنصات (أو الإصغاء كما يطلق عليه في بعض البلدان العربية)
ممارسة لينة، غير موجهة، تطرح كبديل للممارسة المتشددة المطبقة سابقا في الوسط
المدرسي و تهدف إلى مساعدة المتعلم على أن يكون عنصرا إيجابيا قادرا على بناء ذاته
بذاته . و يحدده التحليل الاجتماعي النفساني بأنه جملة الطرق والوسائل التي يحصل
بواسطتها تبادل المعلومات بين أشخاص يوجدون في وضعية معينة وهو مشروط ب:
· كيفية تقبل المنصت للمعلومة.
· كيفية التحاور مع الآخر واستدعاء المعلومات.
· كيفية تقديم المعلومة الجديدة.
[8]ثانيا : مواصفات المنصت
[9]الإنصات الفعال أ والمجدي يعني الاهتمام بما يقوله أو يريده
المنصت إليه، اهتماما إيجابيا يكون الهدف منه الإصلاح والتقويم أو تجاوز حالات
التوتر في بعض السلوكات أو العلاقات. ولنجاح المنصت في مهامه، لا بد من توفره على
مواصفات معينة، واحترامه لشروط الإنصات :
الدافعية
للإنصات
ويعتبر هذا العنصر أساسيا تنبني عليه كل الخطوات التي يتبعها
المنصت، ويساعد على حسن استعمال الأدوات والتقنيات اللازمة التي يقتضيها الإنصات.
والمقصود بالدافعية، هنا، وجود رغبة حقيقية في الإنصات، يكون من مميزاتها الصدق
والحرية في التعامل مع المنصت إليهم، سواء كانوا بالغين أو أطفالا، ومهما كانت
العلاقة التي تربطهم بالمنصت، ويكون الهدف منها هو التواصل معهم ومحاولة فهمهم وفهم
حاجاتهم ورغباتهم، بغية تقويم بعض الاختلالات في سلوكاتهم، أو إعادة إدماجهم في
نسيج محيطهم، أو تقوية الذكاء الوجداني (البصيرة) لديهم، حتى يتمكنوا هم بدورهم من
تحسين قدراتهم على التواصل والإنصات.
الحياد
يعتبر "الحياد" من أهم المبادئ التي يتعين الالتزام بها من لدن كل
من يقوم بعملية الإنصات. ويفيد الحياد لغة الابتعاد عن الذاتية، وبالتالي الابتعاد
عن كل نظرة من شأنها أن تجعل المنصت ينظر إلى الآخر انطلاقا من مرجعية معيارية قد
تكون أخلاقية أو دينية أو غيرهما. وهذا الحياد يجب أن يلمسه الآخر من خلال ردود فعل
معينة لغوية كانت أو حركية. وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم مما يمكن أن يحمله مفهوم
"الحياد" من فصل أو عزل أو تباعد…، فإن ذلك لا ينفي أن المنصت لن يتمكن من النفاذ
إلى حميمية الشخص أو مساعدته على معرفة نفسه بعيدا عن علاقة "الحياد" المتوخاة.
الحفاظ على سرية المعلومات
:
يكتسي الحفاظ على سرية البيانات أهمية خاصة، سواء تعلق الأمر
بالمنصت إليه، أو بالمنصت نفسه. فبالنسبة للمنصت إليه، تتمثل أهمية هذا الحفاظ في
العناصر التالية:
· وضع الثقة الكاملة في المنصت، مما يسهل عملية التواصل والتحاور
في اتجاه إيجابي تتوطد فيه العلاقة بينهما على أسس التقدير والاحترام.
· تشجيع المنصت إليه على البوح بمعلومات أو ببعض الجزئيات
التكميلية المفيدة التي يحتفظ بها لنفسه ولا يقوى على عرضها على الآخرين.
· تعزيز ثقته في الآخر بوجه عام.
أما بالنسبة للمنصت، فإن هذه الأهمية يمكنها أن تتمثل في:
· ضمان مصداقية العمل مع المنصت إليه وكسب ثقته.
· التمكن من سبر أغوار بعض الجوانب الخفية من شخصية المنصت
إليه.
· الوصول إلى النتائج المتوخاة من عملية الإنصات.
وأكيد أن ضمان مبدأ الحفاظ على سرية البيانات يتطلب من المنصت أن
يأخذ ما يلزم من الاحتياطات. فعلاوة على اختياره الفضاء الملائم لإجراء عملية
الإنصات، وتأكده من عدم وجود أي شخص آخر يمكنه أن يطلع على ما يجري بينه وبين
المنصت إليه من حوار، هناك إجراءات أخرى ينبغي أن ينتبه إليها المنصت بهذا الخصوص،و
في طليعتها:
· ترميز المعلومات التي يدونها على سجلات الإنصات، خاصة تلك التي
يتوقع أن تكون ذات حساسية شديدة لدى المنصت إليه، وذلك ضمانا لعدم الاطلاع عليها من
لدن الآخرين في حالة ضياعها لسبب من الأسباب.
· حفظ السجلات والمستندات في أماكن آمنة لا تسمح بأن يطلع عليها
أي أحد.