د.إدريس مقبول
Thursday, November 05, 2009
تعتبر مغالطة صرف الانتباه أسخف أنواع المغالطات في درس
المنطق، ذلك أن الرد فيها يتجه للجواب عن سؤال غير وارد تجنبا للجواب عن
السؤال الوارد الحقيقي، وطريقة الهروب في هذه المغالطة تكشف أول ما تكشف
ضعفا في بناء الحجة عند المستدل بما يستلزمه المقام التداولي كما تكشف فوق
ذلك وزيادة عليه ضحالة فكرية ومراوغة مفضوحة.
مناسبة هذا الحديث ما جاء في رد وزير التعليم (اخشيشن)عن
إضرابات المركزيات النقابية بأن المتضرر الوحيد منه(أي من الإضراب)هو
التلميذ الذي يدفع الثمن.
ومعلوم أن مغالطة صرف الانتباه كانت أضعف وأسخف لأن صاحبها
في العادة لا يبذل جهدا في بناء حجته لمواجهة حجج خصومه، بل يوثر الهروب،
فهي حجة هروبية نكوصية، تنتمي إلى صنف منطق السياسة الرديئة في تدبير
المواجهة لصالح الهارب كما يقرر رايلي في المواجهة والمنطق المهزوم.
ومقتضى هذه المغالطة التي وردت على لسان وزير التعليم أمور ثلاثة يعتريها كلها الفساد:
* المقتضى الأول أن الإضراب عن العمل بما هو تعبير عن رفض
رجال التعليم لسياسة التجاهل النعامية لا يضر الوزارة في شيء أو لنقل لا
يعنيها تماما، وهو مقتضى فاسد لأن التعبير عن الاحتجاج والرفض للواقع
المزري للتعليم ببلادنا من طريق الإضراب يعني توقف المؤسسات التربوية
والتعليمية التي يفترض أن تسهر الوزارة على تتبع سيرها وانتظامه. فماذا
تتابع الوزارة وعلام تسهر إن بدت الأقسام تشكو لربها الفراغ والصمت بسبب
الإضراب؟.
* المقتضى الثاني أن الإضراب عن العمل بما هو توقف عن
العمل تنديدا بسياسة الاستفراد بصناعة القرار التربوي والتعليمي في مخطط
ارتجالي استعجالي رغما عن أنوف المعنيين المباشرين للوظيفة في المؤسسات لا
يؤثر في موقف الوزارة لأنها تتعامل بمنطق الربح والخسارة، وهو مقتضى فاسد
أيضا لأن ما تخسره الوزارة في يوم يتعطل فيه العمل يصل إلى ملايين ملايين
الدراهم،وهو أمر لا يخفى إلا على بليدي الطبع والسطحيين، أو من لا يعنيهم
أمر حساب الربح والخسارة في هذا البلد ما دام الربح دائما حليفهم والخسارة
إن كانت ولابد فمن جيوب المستضعفين في هذا الشعب .
* المقتضى الثالث أن الإضراب عن العمل بما هو إعلان مشروع
عن موقف مشروع من تنصل الوزارة المعنية من التزاماتها تجاه الشغيلة
التعليمية غير مناسب في نظر الوزارة، بل ومهدر لحقوق التلاميذ، وهو مقتضى
فاسد من حيث كان ما يلحق التلاميذ من ضرر إن صح في الظاهر ليوم واحد
بالإضراب، فإن هذا الإضراب الذي نفذه رجال التعليم بوعي شديد وحس عميق من
المسؤولية جاء لينبه الرأي العام إلى ما تلحقه الوزارة وسياسة الوزير من
ضرر مستمر بالقطاع عموما والتلميذ خصوصا طوال السنة الدراسية، ولهذا وجدنا
الوزير يختبئ وراء التلميذ ليقدم نفسه في صلب المغالطة حريصا على مصلحة
التلميذ، في الوقت الذي لا يتوانى الوزير الذي فقد بوصلته السياسية في
الإضرار بجميع من يقعون تحت سلطته وسطوته، وبيان ذلك الضرر الكاشف عن
أغلوطة الوزير من وجوه نذكر منها ثلاثة:
الوجه الأول: أن الضرر اللاحق للتلاميذ من الاكتظاظ
بالأقسام لا يدانيه أي ضرر، حيث باتت الأقسام تفيض بأكثر من أضعاف طاقتها
الاستيعابية المنصوص عليها قانونا، فأين ضرر اكتظاظ التلاميذ وتكدسهم مع
ما يرافقه لزوما من ضعف التحصيل للسبب المذكور مما ذكره الوزير من ضرر
متوهم. إنه أمر لا ينكره إلا جاهل أو مكابر أو متملق أو صاحب مصلحة ذاتية,
كما الحال مع من يعلن أن ضعف المنظومة معروف, وأننا "بإزاء التصدي لها",
أو كمن يزعم أن عمر الإصلاح قصير, وأن قطف النتائج الإيجابية تستوجب المدى
المتوسط والطويل, وهكذا.
الوجه الثاني: أن الضرر اللاحق للتلاميذ من غياب المرافق
الصحية والماء الصالح للشرب والكهرباء والوسائل التعليمية وشروط السلامة
الأمنية وانعدام النقل في البوادي والآفاق بما يحول دون تمتع كافة تلاميذ
المغرب بالفرص المتكافئة في حق التعليم لا يوازيه أي ضرر يتخيله الوزير ذو
الحظ السعيد.ويكفي مراجعة تقرير البنك الدولي وغيره من التقارير عن وضع
المغرب ورتبته لا عالميا وإنما فقط على مستوى القارة السمراء التي نحتل
شمالها وأعلاها جغرافيا ونحتل أسفلها وأدناها بيداغوجيا وعلميا ، فنحن
بحمد الله قبل آخر دولتين في اللائحة أو قبل آخر ثلاث دول، وهذا شرف عظيم
للوزير وللوزارة التي تصر على تكذيب الوقائع والإحصائيات والأرقام.
الوجه الثالث: أن الضرر اللاحق للتلاميذ من سياسة
الاستعجال والابتذال التي دخلت النفق المظلم بما راكمته منذ بدايتها من
أخطاء وتجارب فاشلة وما رسخته من سياسة عمياء صماء لا يمثل أمامه ضرر
الإضراب المزعوم أي نسبة، لأن سياسة الاستعجال في التربية هي نهاية
النهاية، ولأن نهايتها الباب المسدود، ومزيد من الارتهان للمؤسسة الخصوصية
التي تعتاش على دماء المحتاجين ومعاناتهم، وتحول مجال التربية والتعليم
إلى سوق يفتقد خصائصه الإنسانية يوما بعد يوم لصالح الرأسمال المتوحش
ولصالح منظومة تصير فيها الحكامة للأمية المتفاقمة والمؤسسة من داخل وزارة
التربية والتعليم ببلادنا.